المراهقة مرحلة مهمة في حياة كل إنسان؛ فهي مرحلة الانتقال من الطفولة إلى مرحلة الرشد والنضج؛ ومرحلة استعداد لمرحلة الرشد، وتكون في العشر سنوات الثانية من حياة الفرد، من سن الثالثة عشرة إلى التاسعة عشرة تقريبًا أو قبل ذلك بعام أو بعامين أو بعد ذلك بعام أو عامين، أي أنها تكون بين 11- 21 سنة. وفيما يلي سنتعرف على أهم ملامح هذه المرحلة المهمة في حياة الإنسان. • المراهقة المبكرة ( 12 - 13 - 14 سنة ) البلوغ الجنسى النمو الجسمي النمو الحركي النمو العقلي النمو الانفعالي النمو الاجتماعي النمو الجنسي • المراهقة الوسطى ( 15 - 16 - 17 سنة ) النمو الجسمي االنمو الحركي النمو العقلي النمو الانفعالي النمو الاجتماعي النمو الجنسي • المراهقة المتأخرة (18 - 19 - 20 - 21 سنة ) النمو الجسمي النمو الحركي النمو العقلي النمو الانفعالي النمو الجنسي مرحلة المراهقة من السهل تحديد بداية المراهقة ولكن من الصعب تحديد نهايتها، ويرجع ذلك إلى أن بداية مرحلة المراهقة تتحدد بالبلوغ الجنسي، بينما تتحدد نهايتها بالوصول إلى النضج فى مظاهر النمو المختلفة. مميزات مرحلة المراهقة: من أهم مميزات مرحلة المراهقة ما يلي : النمو الواضح المستمر نحو النضج فى كافة مظاهر وجوانب الشخصية . التقدم نحو النضج الجسمي ( أقصى طول ) . التقدم نحو النضج الجنسي. التقدم نحو النضج العقلي حيث يتم تحقيق الفرد لذاته وذلك من خلال الخبرات والمواقف التي تظهر قدراته وتعرفه حدودها، فينجح ويفشل ويقدم نفسه وقيمه للآخرين. التقدم نحو النضج والاستقلال الانفعالي. التقدم نحو النضج الاجتماعي والتطبع الاجتماعي وتحمل المسئوليات وتكوين علاقات اجتماعية جديدة واتخاذ القرارات فيما يتعلق بالتعليم والمهنة والزواج. يتحمل مسئولية توجيه الذات وذلك بتعرف المراهق على قدراته وإمكانياته وتمكنه من التفكير واتخاذ القرارات بنفسه لنفسه. اتخاذ وجهة نظر فى الحياة ومواجهة نفسه والحياة فى الحاضر، والتخطيط للمستقبل . المراهقة قديمًا وحديثًا: فيما مضى كانت مرحلة المراهقة أقصر منها الآن، فلقد كانت الغالبية العظمى من الأطفال يقضون فترة التعليم حتى سن الثانية عشرة، ثم يذهبون مباشرة إلى دنيا العمل ويتزوجون فى أي سن بعد السادسة عشرة، وكان معظمهم يستطيع أن يعول نفسه ويصبح مستقلا من الثامنة عشرة. أما فى الوقت الحاضر فقد امتدت فترة التعليم بحيث أصبح معظم الأفراد يقضون وقتًا أطول فى التعليم، وطالت فترة العزوبة وتأخر سن الزواج إلى ما بعد سن النضج الجنسي بكثير، وأصبح الفرد لا يستطيع أن يستقل عن أهله اقتصاديًا واجتماعيًا إلا بعد مدة أطول من ذي قبل، وهكذا أصبح الفرد يعيش فترة مراهقة أطول بالنسبة لكل الطبقات الاجتماعية. و أثبت البحوث كذلك أن للمراهقة أشكالا وصورًا متعددة تختلف باختلاف الثقافات والظروف والعادات الاجتماعية والأدوار الاجتماعية التي يقوم بها المراهقون في مجتمعهم. وأكدت الدراسات العديدة أن المراهقين يختلفون فى إطار المجتمع الواحد بين ريفه وحضره وفى الطبقات الاجتماعية المختلفة . . . وهكذا . و لنأخذ مثلا الفرق بين المراهق البدائي والمراهق المتحضر: فالمراهق البدائي يستطيع أن يشارك بمجرد بلوغه فى مجتمع الكبار الراشدين البالغين، وأن يكون مسئولا، خاصة وأن المهن والحِرَف فى مجتمعه البدائي من النوع البسيط الذي لا يحتاج إلى تعليم أو تخصص بالمعنى الذي نفهمه، ويستطيع أن يستقل. كذلك فإنه يستطيع أن يتزوج فى سن مبكرة لقلة نفقات الزواج في هذه المجتمعات، وبذلك يستطيع أن يشبع الدافع الجنسي بشكل طبيعي وبلا تأجيل. أما المراهق المتحضر فإن مشاركته فى مجتمع الراشدين البالغين تتأجل حتى يتم تعليمه وحتى يتعلم مهنته ويتقن تخصصه، كذلك فإن سن الزواج يتأخر. وهكذا فان المراهق المتحضر لا يدخل دنيا الكبار بالسهولة التى يجدها المراهق البدائي . وتدل البحوث العلمية على أن شخصية المراهقة تعتبر محصلة أو نتاجًا للتفاعل بين العوامل الوراثية والنمط الثقافي والمجال النفسي الذي يعيش فيه المراهق. والمراهقة فترة حرجة تحتاج إلى وعي كبير، وإلى تعاون بين المراهق وبين من حوله؛ حتى تمر هذه المرحلة بسلام وهدوء؛ وذلك لأنها فترة عواصف نفسية وتوتر وشدة، وقد تسودها الأزمات النفسية والمعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق مع الآخرين. ويشبه البعض حياة المراهق بحلم طويل فى ليل مظلم تتخلله أضواء ساطعة تخطف البصر أكثر مما تضيء الطريق، فيشعر المراهق بالضياع لفترة، وتنتهي هذه الفترة بأن يجد نفسه ويعرف طريقه عندما يصل إلى مرحلة النضج. ويقول البعض إن المراهق يجرب كل إمكانياته وقدراته، ولكن بدون تخطيط محكم، فمثله كمثل عازف على بيانو يحاول وضع كل أصابعه على كل مفاتيح البيانو مما يجعل اللحن نشازًا أو أقرب إلى الضجيج منه إلى الموسيقى، وبالتدريج ومع النضج يبدأ فى اختبار النغمة الصحيحة والوضع الصحيح حتى يصل إلى إتقان عزف السيمفونيات. فالمراهقة مرحلة البحث عن الذات وتحقيق الذات، مرحلة الحب، ومرحلة نمو الشخصية وصقلها، مرحلة اكتشاف القيم والمثل. كل هذا يصور لنا أن مرحلة المراهقة مرحلة فيها الكثير من النمو، وفى نفس الوقت فيها الكثير من التذبذب والاضطراب والمحاولة والخطأ. لماذا المراهقة مرحلة حرجة؟ لاشك أن مرحلة المراهقة مرحلة حرجة فى حياة الفرد، ومن بين ما يظهر مرحلة المراهقة بهذه الصورة ما يلي : الصراعات النفسية : التى قد تطرأ على المراهق، فالمراهق الصغير يسعى لأن يكبر ويتحمل المسئولية ولكنه يحتاج لأن يظل طفلا ينعم بالأمن، وهو يسعى للاستقلال ولكنه مازال يحتاج إلى المساندة والدعم والاعتماد على الآخرين خاصة الوالدين والأسرة، وهو يسعى للحرية الشخصية ولكن المعايـير والقيم الاجتماعية تكبله أحيانًا. الضغوط الاجتماعية : (الخارجية) وهذه كثيرة على المراهق، فعليه أن يقف على قدميه وأن يفكر لنفسه ويختار ويقرر لنفسه وهو يريد تحقيق ذاته، ولكن عليه أن يتطابق تفكيره وسلوكه مع الأخلاق والآداب والمعايـير الاجتماعية. الاختيارات والقرارات : فعلى المراهق القيام بالاختيارات واتخاذ القرارات الحيوية التي تحدد مستقبل حياته، ومن هذه الاختيارات والقرارات ما يتعلق بالتعليم (مستواه ونوعه)، ومنها ما يتعلق بالمهنة ( نوعها والإعداد لها والدخول فيها والتوافق معها)، ومنها ما يتعلق بالزواج (الزواج أو الإضراب عن الزواج ، مواصفات شريك الحياة) . ظاهرة البطالة ( يوضع رابط ملف البطالة كيف نقهرها ): ويقصد بها الطالة الاقتصادية والاعتماد على الآخرين، ويقصد بها أيضًا البطالة الجنسية؛ فالمراهق مؤهل جنسيًا إلا أنه غير مسموح له أن يمارس الجنس إلا فى الحلال شرعًا وبعد أن يستطيع البَاءَة (القدرة والإنفاق)، وهذا قد لا يأتي إلا بعد فترة قد تطول. ونستطيع أن نتصور المراهقة على أنها إحدى الحلقات فى دورة النمو النفسي تـتأثر بالحلقات السابقة وتؤثر بدورها فى الحلقات التالية لها . ونحن وان كنا نتحدث عن مرحلة المراهقة كنمو متكامل مع ما قبلها وما بعدها من مراحل النمو، فإن بعض الدارسين يقسمونها تقسيمًا اصطناعيًا بقصد الدراسة إلى مراحل فرعية تفصل منها ما يقابل المراحل التعليمية المتـتالية: مرحلة المراهقة المبكرة : سن 12 - 13 - 14، وتقابل المرحلة الإعدادية. مرحلة المراهقة الوسطى : سن 15 - 16 - 17، وتقابل المرحلة الثانوية. مرحلة المراهقة المتأخرة : سن 18 - 19 - 20 - 21، وتقابل المرحلة الجامعية. وهكذا فان مرحلة المراهقة تنتهي في حوالي الحادية والعشرين من العمر، حين يصبح الفرد ناضجًا جسميًا وفسيولوجيًا وجنسيًا وعقليًا وانفعاليًا واجتماعيًا. وتعود أهمية دراسة مرحلة المراهقة إلى أنها مرحلة دقيقة فاصلة من الناحية الاجتماعية إذ يتعلم فيها الناشئون تحمل المسئوليات الاجتماعية وواجباتهم كمواطنين فى المجتمع. كما أنهم يكوِّنون أفكارهم عن الزواج والحياة الأسرية، وبالزواج يكتمل جزء كبير من دورة النمو النفسي حيث ينشأ منزل جديد وتتكون أسرة جديدة، ومن ثم يولد الطفل، وبالتالي تبدأ دورة جديدة لحياة شخص آخر تسير من المهد إلى الطفولة إلى المراهقة إلى الرشد وهكذا تستمر الدورة فى الوجود ويستمر الإنسان فى الحياة. الفتاة المراهقة: السلوك والنزعات تبدأ مرحلة المراهقة بعد اجتياز مرحلة الطفولة، والتي تمثل كما وصفها البعض بأنها الحد الفاصل ما بين الطفولة والشباب، وهي مرحلة على الرغم من قصر مدتها الزمنية عموماً، تكتسب أهمية وحساسية متزايدة، وقد اختلفت وجهات نظر العلماء في تحديد بداياتها ونهاياتها. فقد ذكر البعض أنها تبدأ في سني (9،10،11) واختلفوا في تحديد سنّ اجتيازها، وتراوحت الآراء بهذا الشأن بين سن الـ(16،19،20،21) حتى قيل أنها تنتهي في سن الـ(24)، إلا إن الذي يتفق بشأنه معظم علماء النفس هو أنها تنتهي ويتم اجيتازها بين سن الـ(12 ـ 18). يقول موريس دبس: الواقع هو أن الإنسان يجتاز ما بين سن 12 ـ 18، وبحسب رأي آخرين إلى سن الـ 20، في دورة كاملة من حياته منفصلة عن مرحلتي الطفولة والنضوج، وهذه المرحلة بذاتها لها معاييرها الخاصة بها، وتلعب دوراً مهماً في حياة الإنسان. ويلاحظ في الكتابات الإسلامية أنه قد تم التعبير عن الإنسان في هذه المرحلة العمرية بلفظة (الحدث)، يقول الإمام علي (عليه السلام): (وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية) والحدث بمعنى(الجديد)،أي نقيض القديم، وجمعه (أحداث). وهو لفظ يوصف به الإنسان اليافعأو الصبي قليل السن، وقدر ورد وصفه بالشاب. إلا إن أفضل تعبير لوصف الشخص في هذه المرحلة العمرية هو اصطلاح (المراهق) الذي يستخدمه علماء النفس والتربية، وهو ـ كما يرى الكثيرون ـ أنسب تعبير وفي محله، لأن الشخص في هذه السن لا هو طفل قاصر تماماً وذو رغبات وخصال طفولية من جهة، ولا هو شاب ناضج ومكتمل وبإمكانه أن يكوّن رأياً وكياناً مستقلين في الحياة من جهة أخرى. التجاهل والمسؤولية خطر على المراهق يقول أحد علماء النفس الروس: عندما يبلغ الأطفال درجة جادة من النمو أي البلوغ الجنسي، تبدأ حينذاك الاضطرابات النفسية المختلفة لديهم، ففي هذه المرحلة عادة تتنازع نفسيات الأحداث اطباع متناقضة ففي الوقت الذي تطبع سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين الوداعة والحلم تجدهم في ذات الوقت حادّي الطباع ويغضبون عند أدنى إثارة. ومن هنا فإن مرحلة المراهقة هي أكثر مراحل الحياة تأزماً، والتعامل معها أصعب وأشق بالنسبة لأولياء الأمور. إن كثير من المشاكل التي يتعرض لها الناس تعود في أسبابها إلى عاملي الجهل والغفلة، ولا يخفى إن أغلب أولياء الأمور، خصوصاً في بلدان العالم الثالث، لا يعرفون شيئاً عن الحالات النفسية الخاصة بمراحل نمو أبنائهم، إن لم يكن الجهل بمجمل العلوم النفسية، والنظر إليها بعين الخجل والحياء والإزدراء، لذا فإن الآباء لا يستطيعون التعامل مع أبنائهم كما ينبغي أو كما تتطلبه الحالة، فضلاً عن مساهمتهم في مضاعفة تعقيدات بعض المسائل في أحيان كثيرة. وتبقى المشكلة الأهم هي تغافل الآباء والأمهات للأشياء التي يعونها، ومن هنا فإن أولياء الأمور جميعاً يدركون ضرر البيئات الاجتماعية المنحرفة، ويعرفون جيداً أن هناك أشخاصاً فاسدين ومفسدين، وفي جميع المجتمعات، يتعرضون إلى الآخرين، ومع ذلك لا تأخذ هذه المسألة موقعها الحقيقي من الاهتمام. علاوة على تجاهل الآباء للأبناء أنفسهم، فلا يولوهم الاهتمام المطلوب، ويبرر هذا الإهمال والتجاهل تحت عناوين مختلفة كصعوبة الحياة وظروف العمل القاسية وغيرها من الأمور، والتي وإن كانت صحيحة إلا أنها لا يصح أن تكون مبرراً لتجاهل الأبناء والتقصير في تربيتهم ورعايتهم وتنشئتهم النشأة السليمة والصالحة. وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك في (الظلم)، وذلك بأن يكون السبب لإهمال بعض الآباء لأبنائهم، لكونهم من جنس معين أو قبح أشكالهم، أو لنقص عضوي فيهم، لذا ترى أن العلاقة التي تربط أولياء أمورهم بهم لا تتجاوز حدود توفير الطعام واللباس دون أن يلتفت هؤلاء مثلاً إلى إن إنجاب الذكور أو الأناث هو أمر خارج عن إرادة الزوجين، وهو قدر إلهي مقدّر، وقد أشار النبي (صلى الله عليه وآله) لذلك في الحديث القدسي: (من لم يرض بقضائي ولا يؤمن بقدري، فليبحث له عن إله غيره). ومن ذلك، تبرز المسؤولية الكبرى على الآباء والمربين تجاه الاهتمام بهذا الجيل والاهتمام بتربيته ومن عدة زوايا: 1 ـ إن تربية الأبناء حق وواجب على الآباء لأبنائهم. 2 ـ إن تربية الأبناء وتنشئتهم النشأة الصالحة تقع تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3 ـ إن تربية الأبناء هو مطلب اجتماعي مشترك، فآثار نتائجه (سلباً إو إيجاباً) ستكون على مستوى المجتمع وإن كان الأثر على مستوى الفرد. 4 ـ إن تربية الأبناء هو استجابة لدعوة الإسلام ووصايا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) والتي تقول: (عليكم بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير). لذا فإن تربية الجيل الجديد وإعطاءه الاهتمام المطلوب وخلق الجيل الصالح منه وحفظ المجتمع وبناء الحضارة، هو مسؤولية الجميع، ولعل الأخص في ذلك المطلب الفتيات اللاتي هن أمهات الغد ومربيات الرجال، والنساء في المستقبل من حياة المجتمع، وبالأصل أن الناس ـ كما يرى الإسلام ـ أمانات بأيدي بعضهم.. فالولد أمانة الله بيد الوالدين، والزوجة أمانة بيد الزوج. العاطفة عند المراهِقة ولأن الله الخالق والمدبر قد جعل كل شيء في ميزان، فإن الإنسان وكسائر المخلوقات (الإنسان، النبات، الحيوان) وفي كل مراحل (النمو) يكون ما عنده من غرائز وقوى وملكات بصورة موزونة وبكل دقة، فلا إفراط ولا تفريط، ولا ظلم ولا عبث، تعالى الله عما يصفون. ومن هنا، فإن النمو العضوي المتسارع لدى الفتاة في هذه المرحلة من العمر، يرافقه نشاط فطري وغريزي من نوع آخر، فتتحرك العواطف والمشاعر في مجال جديد يترك آثاره على طبيعتها وسلوكها بشكل يضع أولياء الأمور أمام واقع جديد. فإن الفتاة في مرحلة المراهقة، تمر بدور التفتح والنشاط العاطفي الخاص، حيث تغادر الفتاة تعلقها بوالديها، وتتجه بعواطفها واهتماماتها إلى بنات سنها، وإلى أبناء الجنس الآخر، وإلى الحياة الزوجية. ومن العلامات البارزة في مرحلة المراهقة، سرعة التبدل العاطفي، حيث أنها قلقة وغير مستقرة على حال أو لون معين، ففي الوقت الذي يكون فيه أعضاء هذه الفئة العمرية مسرورين ومنبسطين، يمكن أن تتغير هذه الحالة ليحل محلها الغم والهم لأتفه الأسباب، فتارة يحبون بشدة وأخرى يكرهون بشدة. كما إنه وقبل أن تتمركز عواطف الفتاة وتستقر حول الجنس الآخر فإنها تتعرض إلى نوع من القلق والاضطراب الممزوج بالحيرة. يرى موريس دبس، إن الإناث تنجذب إلى الحب مبكراً، وإن عاطفة الحب لدى الإناث هي أخصب مما لدى الذكور بكثير إلا إنهن مختلفات عن الذكور في مجال الاستمتاع الجنسي. كما إن الإناث يرغبن في أن يكن محور ومركز الجذب في الحب وليس العكس، وهذه الحالة هي واحدة من الفوارق العاطفية بين الجنسين. وفي ذات الوقت، فإن الإناث في مرحلة المراهقة يتمتعن بدرجات عالية من الإخلاص والصدق، وبميل عاطفي شديد إلى التضحية من أجل ما يحببن، وإن الخطر الذي يكمن هنا هو تغلّب الشعور العاطفي الطافح على المنطق والتفكير السليم الأمر الذي تدعو إلى إعمال الرقابة عليه وترشيده باستمرار. حياء المراهِقة يكتسب الجمال العضوي لدى الفتيات أهمية استثنائية وكلما كان هذا الجمال منسجماً مع نظرتهن إليه، كلما زاد تعلقهن واستمتاعهن به إلى درجة يتحول معها الاهتمام بهذا الجانب عند بعض المراهقات، إلى نوع من العبودية والهيام المفرط بالجسد. ولا يقتصر اهتمام الفتاة المراهقة بالجمال عند الجانب العضوي وحسب، بل يتجاوزه إلى الاهتمام بالكمالات الأخرى أيضاً، إنهن يسعين إلى بلوغ حد الكمال في مجالات العلم، والأخلاق، والأدب، وحتى العبادة، وخصوصاً عندما يتلبسن بلباس أصحاب القيم والمبادئ ويحاولن مجاراة الكبار في السلوك. وكما تمتاز الفتاة في مرحلة المراهقة بالكبرياء والغرور، تمتاز بخصلة الحياء والخجل أيضاً، وهذه الأخيرة تعدّ نعمة كبيرة لهن، وصيانة من كثير من حالات السقوط والانحراف. فإذا قل الحياء قل التورع عن ارتكاب المعاصي والذنوب، وقد أشار الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى هذا المعنى بقوله: (من قل حياؤه قل ورعه). إن الفتاة المراهقة تقع تحت قوتين: قوة التوجه والرغبة بالاستمتاع بالجديد من اللذائذ من جهة، وحالة الحياء والخجل التي تحول دون اطلاق العنان لرغباتها من جهة أخرى، وإذا قدر لهذا الحياء أن يزول بنحو أو آخر، فإن حصن الفتاة يكون قد إنهار على رأسها، ولدينا في الإسلام روايات وأحاديث تشير إلى هذا المعنى، وتفيد بأن اللمسة الأولى تزيل ثلث الحياء، وأول ارتباط جنسي يزيل الثلث الثاني... وهكذا، وبالتالي يجب أن ندرك حقيقة أن الحياء حصن الفتاة، و(لا إيمان كالحياء والصبر). يقول العلماء: إن سن المراهقة هي سن الحساسية المفرطة والتأثر السريع بالأشياء ، حيث ينثار وينزعج بشدة لأبسط المسائل التي لا تتوافق مع ميوله ورغباته، وتصبح الأوضاع بنظره جحيماً لا يطاق إذا ما شعر بأدنى ظلم أو تمييز بحقه، وهو ما يلفت انتباه أولياء الأمور والمربين إليه بشدة. وفيما يخص أسباب هذه الحالة فقد أرجعها البعض إلى صحة ونشاط الغريزة. ويقول فريق آخر إنها ناتجة عن ظروف نفسية متأزمة،. وذهب الآخرون إلى اعتبارها ناشئة عن دقة العاطفة، وحب التفوق الذي غالباً ما تواجهه عقبات. سلوك الفتاة المراهِقة يرى فريق من المتخصصين مرحلة المراهقة بأنها واحدة من أكثر مراحل الحياة تأزماً، وقد شبهوها بالعاصفة العاتية، وقالوا: إن هذه العاصفة تهز المراهق هزاً عنيفاً إلى درجة يمكن معها القول إنه يعيش خلالها حالة من القلق والاضطراب والحيرة الشديدة، وما أكثر المراهقين والمراهقات الذين يتعرضون إلى صدمات نفسية وأخلاقية كبيرة إثر هذه العاصفة، ويتسببون في مشكلات واحراجات عديدة لأسرهم وللقائمين على أمور التربية. ولذلك، فإن التوجه أو السلوك الذي يتحرك بدوافع العواطف والأحاسيس، وخاصة فيما إذا كانت تلك التصرفات السلوكية غير منضبطة وليس لها إطاراً محدداً، هو السبب الحقيقي في حصول الكثير من المشاكل الأخلاقية. إن ما درجت الأعراف عليه هو إن الأبناء يطعيون أوامر الأبوين قبل سن المراهقة، ويبدون خضوعهم التام وعدم إبداء ما يدل على الرفض والمقاومة وحتى في حالة تعرضهم إلى الضرب والعقاب من قبلهما. إلا إن ماتواجهه الأسرة في مرحلة المراهقة في سلوك الفتاة، ما تعتبر فيه الفتاة المراهقة نفسها قد كبرت ولا تفرق عن والدتها في شيء، ولابد أن تكون المعاملة معها على نحو آخر. لذا فإنها لا تعتبر أوامر ونواهي الوالدين على إنها مسلّمات يجب الالتزام بها، وإنما تعمل فيها فكرها وتتخذ القرار الذي تقتنع به وإن كان متعارضاً مع رأي الوالدين. إن سلوك الفتاة المراهقة ينتظم ويتشكل بالتدريج، ويتجه نحو مدارج النضوج والاكتمال، إلا أن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب فترة زمنية أولاً، وصبر وتحمل أولياء الأمور والمربين ثانياً. يستحدث عند الفتاة في سن المراهقة، خصوصاً بين سن 12 ـ 13 نوع من الوعي في مجالات عديدة، أهمها الوعي الديني، والوعي الوجداني، والوعي الفطري، كما وتتأثر بشكل واضح بأخلاق وسلوكيات الآخرين نتيجة انخراطها في الحياة الاجتماعية. إن دخول الفتاة في أوساط المجتمع الغنية بالمحطات والنماذج الحياتية المختلفة، يبدو في نظرها عالماً جديداً، مليئاً بالأسرار والمفاجآت مما يضفي عليه عنصر الجاذبية، لذا نرى الرغبة الشديدة في محاكاة الفتاة بما ينسجم منها مع ميولها ورغباتها النفسية في حياتها الشخصية والاجتماعية الجديدة. وبمرور الوقت يتغير سلوك الفتاة المراهقة (تدريجياً) حتى يصبح في الحياة انعكاساً لصورة الوضع البيئي الذي يحيط بها، بحيث تلفت فيها الانتباه بما يطرأ على شخصيتها من تغيرات في علاقاتها الاجتماعية، ومحاولاتها الحثيثة لمحاكاة الوسط الجديد في السلوك والملبس. ومن الجدير ذكره، إن عالم المراهقة خصوصاً ما يتعلق منه بالفتيات، هو عالم الصفاء والنقاء الروحي الخالص الذي لا تشوبه شائبة، ويمكن ان يبقى كذلك ما لم تلوثه عوامل الانحراف، يقول عالم النفس الغربي موريس دبس: إن أفراد هذه الفئة في سن 15 ـ 17 يهزهم نداء القداسة أو الشهامة بشدة ويتمنون لو يكون باستطاعتهم إعادة تشكيل العالم من جديد، ومحو الظلم والسوء منه، وتسييد العدالة فيه. وهذا هو سر الكثير من الاعتراضات والانتقادات التي يقومون بها أثر ملاحظاتهم لحالات التجاوز في البيت أو في المجتمع. يلازم الفتاة التي تعيش المراهقة نوع من الأنانية المفرطة في التعامل مع الوسط الاجتماعي، لما تمتاز به الفتاة في مرحلة المراهقة من حب الظهور واحتلال الموقع الذي يجعلها محط اهتمام الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه. كما إنه من مظاهر (الأنا) عند الفتاة المراهقة، اهتمامها المتزايد بتزيين نفسها، وارتداء الملابس الفاخرة، وتصرف الوقت الطويل في الاهتمام بهندامها وأناقتها، وتجتهد في أن لا تخطأ في الكلام، وأيضاً من المفروض معرفته إن ما تعتبره المراهقة جميلاً وأنيقاً قد لا يكون كذلك في نظرنا نحن. إن سلوك الفتاة خلال فترة المراهقة هو مزيج غير متجانس من الميول والرغبات وقد وصفت مجموعة الحالات التي تتولد لديها خلال هذه المرحلة بسلوك المراهقة. الرغبة في الدين إن ما يراه الكثير من علماء النفس والتربية، إن فترة ما قبل المراهقة، في حياة الفتاة أو الفتى، هي فترة الانجذاب إلى الدين والعبادة والتفاعل النفسي مع طقوسه، وقد يطلب في خضم حماسه المعنوي إلى والديه أن يساعداه من أجل بلوغ مراتب الكمال الديني. ويرى العلماء، إن الانجذابات والمؤثرات المتأتية من التفاعل مع الوسط البيئي، تولد في الشخص نوعاً من الحماس والشعور المعنوي، فيتجه إلى الزهد والتقوى، أو بميل في بعض الأحيان إلى التشكيك بالعقائد والتعاليم الدينية أو رفضها، وبطبيعة الحال يمكن للمربي الواعي أن يزيل مثل هذه الشكوك ويبدلها باليقين من خلال التوجيه والإرشاد المنهجي والعلمي الرصين. كما نجد إن الفتى أو الفتاة في مرحلة المراهقة ومع وجود الميل والرغبة الشديدة في الدين، إلا إنه (قد) لا يطيق الأعمال والطقوس الدينية، فعندما يصلي، مثلاً، يسرع في صلاته، وبنفس الوقت يتجه وبشكل جاد في بعض الحالات إلى الاهتمام بأداء الطقوس الاهتمام بأداء الطقوس، وخصوصاً عندما يلاقي تشجيعاً وإشادة من الآخرين في هذا المجال. لقد أورد هاروكس في كتابه علم نفس المراهق، خلاصة لآراء العلماء حول (المراهق أو المراهقة) ومنها: (المراهق) في تغير من الناحية العضوية، وغير ناضج من الناحية العاطفية، وذو تجربة محدودة، وتابع للوسط البيئي ثقافياً، يريد كل شيء، لكنه لا يعرف ما يريد، يتصور أنه يعلم كل شيء، لكنه لا يعلم شيء، يحسب أنه يملك كل شيء، وهو لا يملك شيئاً في الواقع، فلا هو يستفيد من امتيازات الأطفال، ولاهو يستثمر مزايا الكبار، يعيش في حلم وخيال بينما هو يتعامل مع الواقع، إنه ثمل واع، ونائم صاح. ومن هنا، فإن (المراهقة) بحاجة إلى رعاية واهتمام الأبوين، وأيضاً بحاجة إلى توجيه من الخارج، والى جليسة ورفيقة كي تخرجها من وحدتها، ولا شك في أن أفكار وآراء الصديقات أثر بالغ على المراهقة، لكن تبقى المشكلة في أنها تقضي أكثر أوقاتها لوحدها وتميل إلى الاستغراق في أفكارها وبعيداً عن الآخرين.